كان ذو البجادين، واسمه قبل الإسلام عبد العزى المزني، رجلاً عظيم القدر في زمن النبي محمد ﷺ. وقد حفر النبي ﷺ قبره وبكى عند موته. ولد عبد الله بن عبد العزى في أسرة غنية ومنعمة، فقد أمه وأباه وهو صغير فرباه عمه. كان عبد الله مميزاً بملابسه الفاخرة التي كان يأتي بها من الشام، وكان الشاب الوحيد في مزينة الذي يملك فرساً.
قصة إسلام عبد الله بن عبد العزى من أجمل وأغرب قصص إسلام الصحابة. عندما بلغ عبد الله 16 عاماً، بدأ الصحابة في الهجرة من مكة إلى المدينة، وكانوا يمرون بمزينة في طريقهم، حيث كانوا يسيرون بسرعة خوفاً من مطاردة قريش. في إحدى المرات، التقى عبد الله بأحد الصحابة الذي عرض عليه الإسلام، فأسلم فوراً وطلب منهم أن يُعلموه شيئاً من القرآن. ولكنه لم يستطع الهجرة معهم لأن قريش كانت تلاحقهم، لذلك كان يسير خلفهم لمسافة 15 كيلومتراً في الصحراء ليتعلم منهم القرآن، ثم يعود إلى مزينة. استمر هذا الحال حتى تعلم أجزاءً من القرآن.
عُرف عبد الله بعد ذلك بذي البجادين لأنه عندما أسلم، جرده عمه من كل ما يملك حتى من ملابسه، فلم يجد عبد الله إلا بجاداً (شوالاً من الصوف) فشقّه نصفين وارتدى أحدهما ولفّ الآخر حوله. هاجر إلى المدينة وقدم إلى النبي ﷺ وهو يرتدي البجادين، فسماه النبي “عبد الله ذو البجادين”.
سكن عبد الله ذو البجادين مع أهل الصفة (الفقراء) خلف بيت النبي ﷺ. شارك في غزوة تبوك وعمره 23 عاماً، وهناك دعا الله أن يموت شهيداً. فقال له النبي ﷺ إن من عباد الله من يموت بالحمى أو يسقط من على فرسه فيكون شهيداً، وهذا ما حدث لعبد الله، حيث أصيب بحمى شديدة في طريق العودة من الغزوة وتوفي.
عبد الله بن مسعود يحكي قصة موته، حيث كان النبي ﷺ يحفر قبره بيديه ويبكي، واحتضن جثمانه وكبر عليه أربع تكبيرات. دعا النبي الله أن يرحم عبد الله ذا البجادين وأثنى عليه قائلاً: “اللهم إنني اشهدك أنني أمسيت راضياً عن ذي البجادين فارض عنه”.
يقول عبد الله بن مسعود إنه تمنى أن يكون هو صاحب القبر نظراً للرحمات التي نزلت على عبد الله ذو البجادين في تلك الليلة.